MEDIA/ ARTICLES

اللامركزية والبلديات: كيف ننتقل من القول إلى الفعل؟

«اللامركزية»؛ كلمة لا تكفّ عن الظهور في السياسة اللبنانية، في الخطابات والشعارات وبرامج عمل معظم الأحزاب. لكنّها، مع ذلك، نادراً ما تُقارب من زاويتها الفعلية والمُباشرة: العمل البلدي.

كان العقد الأخير عاصفاً في لبنان، وقد أُلقيَ ثقلٌ كبير على عاتق البلديات، من دون أن يكون لهذه الهيئات القدرة ولا الجهوزية الكافيتَين للتعامل مع هذه المحطّات، ومنها: النزوح السوريّ المستمرّ منذ العام 2011؛ أزمة النفايات الصلبة التي تفاقمت في العام 2015؛ الأزمة المالية والاقتصادية التي تجلّت في العام 2019؛ جائحة كوڤيد-19 التي ظهرت في العام 2020؛ الكوارث الطبيعية والزلازل والهزّات الأرضيّة التي شهدتها المنطقة في العام 2023. وذلك بالإضافة إلى تردّي ميزانيات البلديات مع انهيار العملة المحليّة.

انطلاقاً من هذا الواقع، وفي إطار دراسةٍ مُفَصّلة، جُلنا في جمعية «نحن» على بلدياتٍ ورؤساء بلديات واتحادّات بلديات، وحاورناهم بالمواضيع المُرتبطة بعملهم، وباللامركزية الإدارية تحديداً، باعتبار أنّ البلدية هي أصغر وحدة إدارية في لبنان، والمظهر الوحيد للامركزية الإدارية فيه. دقّقنا أيضاً بعمل الصندوق البلدي المستقلّ بين عام 1993 و2020، وحلّلنا آليات ومعايير توزيع الأموال على البلديات والمناطق.

لا يخفى على أحد أنّ مشاكل العمل البلدي عديدة. غالباً، التحديثات التي تُجرى على هذا المستوى تنتهي بإضعافه عوضَ تمتينه، وذلك بسبب غياب التخطيط بعيد الأمد، بسبب والتحديث على أساس الارتجال، من ناحية التشكيل غير المدروس للبلديات واتّحاداتها. كما تكبّل البيروقراطية الجانب المالي للبلديات، عوض ترتيبه، الأمر الذي يحول دون الاستحصال على عائدات الصندوق البلدي المستقلّ في الوقت المحدّد وبالقيمة المحدّدة. على مستوى الشفافية، تكاد تكون البلديات مرآةً لباقي مؤسّسات الدولة، فلا شفافية تُذكَر، ولا تدقيق أو مراقبة أو محاسبة، فضلاً عن مشاكل ترتبط بصحّة التمثيل والمشاركة.

وعليه، بعد إعداد الخرائط والرسوم البيانية وتحليل المعطيات وتحديد الثغرات، اقترحنا توصياتنا. وحوّلناها لمقترح قانون، وبعد جولاتٍ من النقاشات المبتادلة والملاحظات، سوف يُعدَّل هذا المُقترح بغية تقديمه للنوّاب، والعمل على جعله قانوناً بالفعل.

ومن شأن هذا القانون، مثلاً، أن يحرّر الصندوق البلدي المستقلّ من يد السلطة المركزية، مُقابل إخضاع عمل البلديات لتدقيق ديوان المُحاسبة ومجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي. وأن تُصبح اتّحادات البلديات مُلزمة، بعد إعادة هيكلة تُعزّز أجهزة هذه الاتّحادات.
لناحية الانتخابات، اقترحنا أن يُنتَخَب رئيس ونائب رئيس البلدية بشكلٍ مُباشر، وأن يتمّ إشراك الساكن المُقيم بعملية الانتخاب والترشّح، بناءً على مكان السكن وليس فقط القيد. كما اقترحنا تحديث وزارة للإدارات المحليّة وإلحاق المديريّة العامّة للإدارات والمجالس المحلية بها. بالإضافة إلى اعتماد منصّة الكترونيّة مركزية تُنشَر عليها المعلومات الهامّة المتعلّقة بالإدارات المحلية. والأهم: إقامة الديموقراطيّة التشاركية عبر إشراك السكّان بالقرارات المتّخذة، وإتاحة تقديم آرائهم وتطلّعاتهم، واستفتائهم وعقد جلسات علنية معهم.

نقوم حاليّاً بسلسلة لقاءات في مختلف المناطق اللبنانية لعرض القانون المقترح ومناقشته، بهدف إتمام الصيغة النهائية له على أمل أن يجد طريقه بين نوّاب الأمّة، وأن يدخل حيّز التنفيذ، من خلال حملة المناصرة التي أطلقتها جمعيّة «نحنُ» مؤخّراً.

هذه هي إذاً فرصة الحريصين على اللامركزية، لنقلها من حيّز الكلام والمناكفات السياسية إلى حيّز الفعل الذي يستفيد منه المواطنون بشكلٍ مباشرٍ، فالبلديات هي الوحدة الإدارية الأقرب لهم، وصلة وصلهم مع الهيئات الأعلى، بل هي الدولة أمامهم.

MORE ARTICLES

قطاع الحِرَف في لبنان… دراسات معمقة ورؤية استراتيجية ومنفساً معيشياً لآلاف المواطنين

تلعب الحرف في لبنان دوراً اقتصادياً وثقافياً بارزاً وتشكَل منفساً معيشياً لآلاف المواطنين، إلا أنَّ بعضها مهدّد بالزوال بسبب سوء التنظيم والإهمال في السياسات العامة وعوامل أخرى إضافة إلى غياب قانون واضح ينظم العمل والتسويق مما يفقدها دورها الاقتصادي والثقافي.

20th ديسمبر, 2021

إطلاق “إئتلاف الشط لكل الناس”: الإستثمارات تقتل البحر والشواطئ العامة تحميه

تشكل المناطق الساحلية في لبنان نحو 12% من المساحة الإجمالية للبلاد التي تقع بامتداد 220 كيلومتراً على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من من العريضة في الشمال على الحدود مع سوريا إلى الناقورة على الحدود مع فلسطين المحتلة.

19th نوفمبر, 2021

«الشط لكل الناس»: إزالة التعدّيات لا تغريم المعتدين

لم يمنع الظرف الاقتصادي الاستثنائي الذي تمرّ به البلاد من «العبث» بالأملاك البحرية والمُضي في نهج التعديات على الشاطئ اللبناني المُقدّرة بنحو خمسة ملايين متر مربع (وفق تقديرات وزارة الأشغال العامة والنقل).

19th نوفمبر, 2021